يحكى أنه كانت هناك قبيلة تعرف باسم بني عرافه ؛ وسميت بذلك نسبة إلى إن أفراد هذه القبيلة يتميزون بالمعرفة والعلم والذكاء الحاد !
وبرز من هذه القبيلة رجل كبير حكيم يشع من وجهه العلم والنور ، وكان لدى هذا الشيخ ثلاثة أبناء سماهم جميعا بنفس الاسم ألا وهو (عبدالله) ؛ وذلك لحكمة لا يعرفها سوى الله ومن ثم هذا الرجل الحكيم .
ومرت الأيام وجاء أجل هذا الشيخ وتوفي ، وكان هذا الشيخ قد كتب وصية لأبنائه يقول فيها :
(عبدالله يرث ، عبدالله لا يرث ، عبدالله يرث) !
وبعد أن قرأ الأخوة وصية والدهم وقعوا في حيرة من أمرهم لأنهم لم يعرفوا من هو الذي لا يرث منهم !
ثم
أنهم بعد المشورة والسؤال قيل لهم أن يذهبوا إلى قاضي عرف عنه الذكاء
والحكمة ، وكان هذا القاضي يعيش في قرية بعيدة ... فقرروا أن يذهبوا إليه ،
وفي الطريق وجدوا رجلا يبحث عن شي ما ، فقال لهم الرجل : هل رأيتم جملا ؟ فقال عبدالله الأول : هل هو أعور ؟ فقال الرجل نعم .
فقال عبدالله الثاني : هل هو أقطب الذيل ؟ فقال الرجل نعم .
فقال عبدالله الثالث : هل هو أعرج ؟ فقال الرجل نعم .
فظن الرجل أنهم رأوه ؛ لأنهم وصفوا الجمل وصفا دقيقا . ففرح وقال : هل رأيتموه ؟ فقالوا : لا .. لم نره !
فتفاجأ الرجل كيف لم يروه وقد وصفوه له ! فقال لهم الرجل أنتم سرقتموه ؛ وإلا كيف عرفتم أوصافه ؟
فقالوا
: لا والله لم نسرقه . فقال الرجل : سأشتكيكم للقاضي ، فقالوا نحن ذاهبون
إليه فتعال معنا .فذهبوا جميعا للقاضي وعندما وصلوا إلى القاضي وشرح كل
منهم قضيته ، قال لهم : اذهبوا الآن وارتاحوا فأنتم تعبون من السفر الطويل ،
وأمر القاضي خادمه أن تقدم لهم وليمة غداء ، وأمر خادما آخر بمراقبتهم
أثناء تناول الغداء .
وفي
أثناء الغداء قال عبدالله الأول : إن المرأة التي أعدت الغداء حامل . وقال
عبدالله الثاني : إن هذا اللحم الذي نتناوله لحم كلب وليس لحم ماعز . وقال
عبدالله الثالث : إن القاضي ابن زنا .
وكان
الخادم الذي كلف بالمراقبة قد سمع كل شي من العبادلة الثلاثة . وفي اليوم
الثاني سأل القاضي الخادم عن الذي حدث أثناء مراقبته للعبادلة وصاحب الجمل ،
فقال الخادم : إن أحدهم قال أن المرأة التي أعدت الغداء حامل ! فذهب
القاضي لتك المرأة وسألها عما إذا كانت حاملا أم لا ، وبعد إنكار طويل من
المرأة وأصرار من القاضي ؛ اعترفت المرأة أنها حامل ، فتفاجأ القاضي كيف
عرفوا أنها حامل وهم لم يروها أبدا ! ثم رجع القاضي إلى الخادم وقال : ماذا قال الأخر ؟
فقال الخادم الثاني : قال أن اللحم الذي أكلوه على الغداء كان لحم كلب
وليس لحم ماعز . فذهب القاضي إلى الرجل الذي كلف بالذبح فقال له : ما الذي ذبحته بالأمس ؟
فقال الذابح أنه ذبح ماعزا ، ولكن القاضي عرف أن الجزار كان يكذب ؛ فأصر
عليه أن يقول الحقيقة إلى أن اعترف الجزار بأنه ذبح كلبا لأنه لم يجد ما
يذبحه من أغنام أو ما شابه . فاستغرب القاضي كيف عرف العبادلة أن اللحم
الذي أكلوه كان لحم كلب وهم لم يروا الذبيحة إلا على الغداء ! وبعد ذلك رجع
القاضي إلى الخادم وفي رأسه تدور عدة تساؤلات ، فسأله إن كان العبادلة قد
قالوا شيئا آخر . فقال الخادم : لا لم يقولوا شيئا . فشك القاضي في الخادم ؛
لأنه رأى على الخادم علامات الارتباك ! وقد بدت واضحة المعالم على وجه
الخادم ؛ فأصر القاضي على الخادم أن يقول الحقيقة ، وبعد عناد طويل من قبل
الخادم قال الخادم للقاضي : أن عبدالله الثالث قال أنك ابن زنا فانهار
القاضي ! وبعد تفكير طويل قرر أن يذهب إلى أمه ليسألها عن والده الحقيقي
... في بداية الأمر تفاجأت الأم من سؤال ابنها وأجابته وهي تخفي الحقيقة ،
وقالت أنت ابني ، وأبوك هو الذي تحمل اسمه الآن . إلا أن القاضي كان شديد
الذكاء ؛ فشك في قول أمه وكرر لها السؤال .. إلا أن الأم لم تغير أجابتها ،
وبعد بكاء طويل من الط رفين ، وإصرار أكبر من القاضي ؛ في سبيل معرفة
الحقيقة خضعت الأم لرغبات ابنها وقالت له أنه ابن رجل آخر كان قد زنا بها ؛
فأصيب القاضي بصدمة عنيفة كيف يكون ابن زنا ، وكيف لم يعرف بذلك من قبل !
والسؤال الأصعب كيف عرف العبادلة بذلك !
وبعد ذلك جمع القاضي العبادلة الثلاثة وصاحب الجمل لينظر في قضية الجمل وفي قضية الوصية ؛ فسأل القاضي عبدالله الأول : كيف عرفت أن الجمل أعور ؟ فقال عبدالله : لأن الجمل الأعور غالبا يأكل من جانب العين التي يرى بها ولا يأكل الأكل الذي وضع له في الجانب الذي لا يراه ، وأنا قد رأيت في المكان الذي ضاع فيه الجمل آثار مكان أكل الجمل ؛ واستنتجت أنه الجمل كان أعورا . وبعد ذلك سأل القاضي عبدالله الثاني قائلا : كيف عرفت أن الجمل كان أقطب الذيل ؟ فقال عبدالله الثاني : إن من عادة الجمل السليم أن يحرك ذيله يمينا وشمالا أثناء إخر اجه لفضلاته ؛ وينتج من ذلك أن البعر يكون مفتتا في الأرض ، إلا أني لم أر ذلك في المكان الذي ضاع فيه الجمل ، بل على العكس رأيت البعر من غير أن ينثر ؛ فاستنتجت أن الجمل كان أقطب الذيل ! وأخيرا سأل القاضي عبدالله الأخير قائلا : كيف عرفت أن الجمل كان أعرجا ؟ فقال عبدالله الثالث : رأيت ذلك من آثار خف الجمل على الأرض ؛ فاستنتجت أن الجمل كان أعرجا .
وبعد ذلك جمع القاضي العبادلة الثلاثة وصاحب الجمل لينظر في قضية الجمل وفي قضية الوصية ؛ فسأل القاضي عبدالله الأول : كيف عرفت أن الجمل أعور ؟ فقال عبدالله : لأن الجمل الأعور غالبا يأكل من جانب العين التي يرى بها ولا يأكل الأكل الذي وضع له في الجانب الذي لا يراه ، وأنا قد رأيت في المكان الذي ضاع فيه الجمل آثار مكان أكل الجمل ؛ واستنتجت أنه الجمل كان أعورا . وبعد ذلك سأل القاضي عبدالله الثاني قائلا : كيف عرفت أن الجمل كان أقطب الذيل ؟ فقال عبدالله الثاني : إن من عادة الجمل السليم أن يحرك ذيله يمينا وشمالا أثناء إخر اجه لفضلاته ؛ وينتج من ذلك أن البعر يكون مفتتا في الأرض ، إلا أني لم أر ذلك في المكان الذي ضاع فيه الجمل ، بل على العكس رأيت البعر من غير أن ينثر ؛ فاستنتجت أن الجمل كان أقطب الذيل ! وأخيرا سأل القاضي عبدالله الأخير قائلا : كيف عرفت أن الجمل كان أعرجا ؟ فقال عبدالله الثالث : رأيت ذلك من آثار خف الجمل على الأرض ؛ فاستنتجت أن الجمل كان أعرجا .
وبعد
أن استمع القاضي للعبادلة اقتنع بما قالوه ، وقال لصاحب الجمل أن ينصرف
بعدما عرفوا حقيقة الأمر . وبعد رحيل صاحب الجمل قال القاضي للعبادلة : كيف عرفتم أن المرأة التي أعدت لكم الطعام كانت حاملا ؟
فقال عبدالله الأول : لأن الخبز الذي قدم على الغداء كان سميكا من جانب
ورفيعا من الجانب الآخر ، وذلك لا يحدث إلا إذا كان هناك ما يعيق المرأة من
الوصول إليه ، كالبطن الكبير نتيجة للحمل ، ومن خلال ذلك عرفت أن المرأة
كانت حاملا ! وبعد ذلك سأل القاضي عبدالله الثاني قائلا : كيف عرفت أن اللحم الذي أكلتموه كان لحم كلب ؟ فقال عبدالله : إن لحم الغنم والماعز والجمل والبقر جميعها تكون حسب الترتيب التالي (عظم - لحم - شحم) إلا الكلب فيكون حسب الترتيب التالي (عظم- شحم – لحم ) ؛ لذلك عرفت أنه لحم كلب. ثم جاء دور عبدالله الثالث وكان القاضي ينتظر هذه اللحظة ، فقال القاضي : كيف عرفت أني ابن زنا ؟ فقال عبدالله : لأنك أرسلت شخصا يتجسس علينا ، وفي العادة تكون هذه الصفة في الأشخاص الذين ولدوا بالزنا . فقال القاضي (لا يعرف ابن الزنا إلا ابن الزنا) وبعدها ردد قائلا : أنت هو الشخص الذي لا يرث من بين أخوتك لأنك ابن زنا !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق